قد يكون أشد الناس أرقاً بعد مهاجم منتخب إسبانيا ونادي برشلونة دافيد فيا هو مدرب المنتخب فيسنتي دل بوسكي، وذلك بعد تعرّض فيا لإصابة قاسية خلال مشاركته مع فريقه في كأس العالم للأندية ستبعده خمسة أشهر عن الملاعب، وقد تحرمه من استحقاق المنتخب القادم في الدفاع عن لقبه بطلاً لأوروبا في بولندا وأوكرانيا صيف العام 2012.
وإذا كانت الخسارة الآنية من نصيب "بلوغرانا"، إلا أن النادي الكاتالوني قادر على سد النقص بما يمتلكه من أوراق فعّالة في خطي الهجوم والوسط على حد سواء، لكن الأمر لا ينطبق على "لاروخا" الذي يحمل فيا شرف كونه هدافه الأول على مر التاريخ برصيد 52 هدفاً في 81 مباراة، كما أنه هداف يورو 2008 في النمسا وسويسرا بتسجيله أربعة أهداف، وأحد هدافي كأس العالم 2010 برصيد خمسة أهداف متأخراً عن الألماني توماس مولر بفارق التمريرات الحاسمة.
المنتخب الأفضل على صعيد النتائج في الأعوام الثلاثة الماضية والمتوّج بلقبي كأس الأمم الأوروبية للمرة الثانية في تاريخه عام 2008، وكأس العالم للمرة الأولى عام 2010 في جنوب أفريقيا، يضم في صفوفه ثلاثة من أبرز لاعبي برشلونة وهم تشافي هيرنانديز وأندريس أنييستا وسيسك فابريغاس، لكن أياً منهم لا يحمل صفة المهاجم "رأس الحربة"، سيما وأن المنتخب يعتمد على اللعب بمهاجم واحد في الفترة الأخيرة مع التراجع الكبير في مستوى فرناندو توريس الذي كان قبل عامين يشكل ثنائياً مرعباً مع فيا رغم معدل أهدافه المنخفض، يُضاف إلى ذلك الضغط المتزايد الذي يشكله لاعبا وسط مانشستر سيتي وتشلسي الإنكليزيين دافيد سيلفا وخوان مانويل ماتا، وكلاهما يقدم مستوى رائعاً، ما يرجح لجوء دل بوسكي للعب بخماسي في خط الوسط يضم لاعب ريال مدريد تشافي ألونسو الذي يشكل خياراً دفاعياً لا غنى عنه.
ومما لا شك فيه أن الأسماء كثيرة أمام المدرب الذي حصل على لقب "ماركيز" من ملك إسبانيا خوان كارلوس في هذا العام، لكن وفرة الخيارات لا تعني جودتها بالضرورة.
فرصة أخيرة
شارك ستة مهاجمين مع منتخب إسبانيا خلال العام الذي شارف على الانتهاء في المباريات الدولية الرسمية والودية، وهم فضلاً عن فيا، فرناندو توريس وبيدرو رودريغيز وألفارو نيغريدو وفرناندو لورينتي ومانو ديل مورال.
ويمكن اعتبار بيدرو الأكثر ثباتاً في المستوى لكنه وفقاً لبنيته الجسدية غير قادر على القيام بمهمة المهاجم الوحيد، كما أنه اعتاد اللعب كمهاجم مساند في فريقه برشلونة، وقد ظهر بقميص المنتخب حتى الآن في 14 مباراة سجل خلالها هدفين فقط، وكانا في مناسبات ودية بمرمى بولندا (6-0) عام 2010 وبمرمى فنزويلا (3-0) عام في حزيران/يونيو الماضي.
وأمام هذه المعطيات يبقى الخيار الأول بتقييم الخبرة والبنية الجسدية هو لاعب تشلسي فرناندو توريس، لكن "إل نينو" ربما يمر بأسوأ مستوى في مسيرته حتى أنه لا يشارك أساسياً في مباريات فريقه اللندني مؤخراً، ولم يسجل سوى هدفين في الدوري الإنكليزي ومثلهما في دوري أبطال أوروبا.
كما أنه اكتفى بتسجيل هدف واحد مع المنتخب هذا العام وكان في المباراة الودية مع الولايات المتحدة (4-0)، علماً أن آخر هدفين له في مباريات رسمية كانا في العام 2010 بمرمى ليشتنشتاين (4-0) في التصفيات المؤهلة ليورو 2012.
وبرغم كل هذه الأرقام السلبية يحافظ دل بوسكي على احترامه لقدرات المهاجم الأشقر الذي سبق وأن وضعه في حيرة مشابهة عندما أصيب قبل نحو شهرين من انطلاقة كأس العالم في جنوب أفريقيا، إلا أنه اختاره ضمن قائمة المنتخب وشارك في المباريات السبع خلال البطولة (6 مباريات كأساسي وواحدة كبديل) ولم يسجل خلالها أي هدف!.
مسيرة توريس مع المنتخب لا تـُقارن بما حققه من أرقام مع نادي أتلتيكو مدريد الإسباني إذ سجل 91 هدفاً في 249 مباراة، ثم ليفربول الإنكليزي الذي لعب له 142 مباراة وسجل81 هدفاً.
ورغم أنه صاحب أسرع "هاتريك" في تاريخ المنتخب سجله خلال 17 دقيقة في مباراة نيوزيلندا (5-0) خلال كأس القارات عام 2009، فقد اكتفى بتسجيل 27 هدفاً بالقميص الأحمر والذهبي خلال 91 مباراة دولية، منها 3 أهداف في مونديال 2006 بألمانيا، وهدفين في يورو 2008 في النمسا وسويسرا، وتبقى أكثر اللحظات تأثيراً تلك التي سجل فيها هدف الفوز في مرمى ألمانيا عند الدقيقة 33 من المباراة النهائية ليرفع كأس منتخب بلاده كأس البطولة.
ويمكن القول أن الأشهر الخمسة القادمة ستكون اختباراً حقيقياً لتوريس ومدى قدرته على قيادة المنتخب، فهل يُحسن استغلالها ؟
رسائل وتساؤلات ؟
حملت مباريات يومي السبت والأحد 18-19 كانون الثاني/ديسمبر الجاري، ثلاث رسائل من الدوري الألماني والإسباني لـ دل بوسكي وذلك بعد نحو 48 ساعة فقط من إصابة فيا.
فقد سجل ثاني هدافي المنتخب وقائده السابق راؤول غونزاليس، مهاجم شالكه الألماني الحالي ثلاثية، ليقود فريقه إلى فوز كاسح على فيردربريمن (5-0) في "بوندسليغا"، رافعاً رصيده الشخصي مع الفريق الأزرق في الدوري إلى 10 أهداف وفي الموسم عموماً إلى 13 هدفاً.
ولمهاجم ريال مدريد السابق ذكريات حزينة في الأعوام الأخيرة مع المنتخب إذ لم يستدعه المدرب السابق لويس آراغونيس للمشاركة في يورو 2008 رغم المطالبة الشعبية والإعلامية آنذاك، وكذلك كان رأي دل بوسكي الذي اختار الاعتماد على الأكثر شباباً، إلا أن راؤول لم يعلن اعتزاله اللعب دولياً.
ويحمل اللاعب الملقب بـ"روح البلانكو" سجلاً ذهبياً في تاريخ ريال مدريد الذي نال معه 16 لقباً، وتوج هدافاً الدوري عامي 1999 و2001 وهداف دوري أبطال أوروبا 1999-2000 و2000-2001، علماً أنه سجل 323 هدفاً بالقميص الأبيض ويحتل المرتبة الأولى لهدافي دوري أبطال أوروبا برصيد 71 هدفاً.
وعلى صعيد المنتخب لعب مائة ومباراتين سجل خلالها 44 هدفاً، وشارك في 11 مباراة في نهائيات كأس العالم أعوام 1998 و2002 و2006 وهز الشباك خمس مرات، كما شارك في 7 مباريات في كأس أمم أوروبا بواقع أربع مباريات عام 2000 وسجل هدفاً واحداً، وثلاث مباريات عام 2004 بدون أن يسجل.
يمتلك ابن الـ34 ربيعاً خبرة لا تُضاهى وهو أمر لا جدال فيه، فهل يكون ألقه الحالي بوابة عودة "تاريخية" ومحطة وداع مثالية ؟
وبعد ساعات قليلة من الرسالة الأولى، جاءت الثانية من مهاجم فالنسيا روبرتو سولدادو الذي سجل ثنائية قاد بها فريقه فالنسيا للتفوق على ملقا في "الليغا"، ليصل إلى هدفه الرابع عشر هذا الموسم (11 في الدوري و5 في دوري أبطال أوروبا)، علماً أنه سجل ثلاثيتين وثلاث ثنائيات حتى الآن.
سولدادو (26 عاماً)، لم يُستدع للمنتخب سوى مرتين في تصفيات يورو 2008 ولم يسجل خلالهما أمام ليتوانيا وليشتنشتاين، لكن فرصته تبدو كبيرة هذه الأيام لنيل فرصة قد لا تتكرر، والسؤال الأهم هل يواصل بهذا الزخم في الأشهر القادمة؟
وجاءت الرسالة الثالثة من إشبيلية، فرغم الخسارة الثقيلة لفريق المدينة أمام ريال مدريد (2-6)، إلا أن مهاجم الفريق الأندلسي ألفارو نيغريدو قدّم مباراة مميزة فسجل هدفاً وكان مصدر الخطر الأول على الحارس إيكر كاسياس الذي رد له كرة بطريقة شبه إعجازية في شوط المباراة الأول.
نيغريدو ارتدى قميص المنتخب في 6 مباريات سجل خلالها 5 أهداف وهو معدّل جيد، لكنه قد لا يكون مقياساً نظراً لمستوى المباريات التي سجل فيها، إذ سجل هذا العام هدفين في مرمى ليشتنشتاين (6-0) ضمن تصفيات يورو 2012 وهدفاً في ودية الولايات المتحدة، أما أول هدفين فكانا عام 2009 في مرمى البوسنة والهرسك (5-2) في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2010.
لكن مهاجم ألميريا وريال مدريد السابق (26 عاماً) عانى مطلع الموسم من إصابات مؤثرة ما جعل حصيلة أهدافه متواضعة واقتصرت على خمسة فقط جميعها في الدوري، وإن لم يسجل بغزارة في القادمات فإن فرصة مشاركته تبدو ضعيفة.
الجوكر.. والمفاجآت
ينظر كثيرون لمهاجم أتلتيك بلباو فرناندو لورينتي على أنه نجم يعيش في الظل، وقد طالبه كبار خبراء الكرة الإسبانية بتلمس طريق النجومية خارج أسوار "سان ماميس" معقل الفريق الباسكي.
لورينتي يعد أطول مهاجمي إسبانيا حالياً (195 سم) ما يجعله خياراً ثابتاً للمدرب دل بوسكي وإن لم يكن ورقة أساسية، فمواصفاته كلاعب حاسم في الكرات الهوائية تؤهله لأن يكون بديلاً في الأوقات الحرجة خصوصاً وأن معظم لاعبي المنتخب قصار القامة (باستثناء جيرارد بيكيه وإيكر كاسياس وسيرخيو راموس).
وقد سجل حتى الآن 7 أهداف في 19 مباراة دولية جاء ثلاثة منها هذا العام، اثنان في مرمى ليتوانيا (3-1) وهدف الفوز في شباك اسكتلندا (3-2) في تصفيات يورو 2012.
اللاعب الملقب بـ"الجوكر" مطمئن إلى حد بعيد لوجوده في المنتخب وقد يتحول إلى "الرقم واحد" إن ارتقى بأدائه أكثر، فهو لم يسجل سوى 8 أهداف فقط هذا الموسم (6 في الدوري و2 في الدوري الأوروبي).
وقد تحمل خيارات "الماركيز" مفاجآت بضم مهاجمين من الدوري المحلي، لعل أبرزهم مهاجم أتلتيكو مدريد أدريان ألفاريز الفائز بالحذاء الذهبي هذا العام في بطولة أوروبا للشباب التي توج بلقبها "لاروخا الصغير" في الدانمارك، وهو المهاجم الأصغر سناً بين كافة الأسماء المطروحة (23 عاماً).
ولا يُستبعد مهاجم إشبيلية مانو ديل مورال الذي استدعي لتمثيل المنتخب للمرة الأولى في حزيران/يونيو الماضي حين شارك بديلاً في مباراة فنزويلا مكان فيا بالذات، ومهاجم ريال مدريد "الثالث" المتألق مؤخراً خوزيه كاليخون، ومهاجم إسبانيول سيرخيو غارسيا، وسبورتينغ خيخون دافيد بارال.